سورة التكوير - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)} [التكوير: 81/ 1- 14].
هذه كلها أوصاف يوم القيامة، إذا لفّت الشمس وطويت بأن تدار ويذهب بها إلى حيث شاء اللّه تعالى. وإذا تساقطت النجوم وتناثرت، وإذا أزيلت أو قلعت الجبال عن أماكنها الأرضية، وسيرت في الهواء كالصوف المندوف. وانكدار النجوم: هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها.
- وإذا النوق الحوامل، وهي أنفس أموال العرب، تركت مهملة بلا راع ولا حلب، لما دهاهم من الأمر. وإذا جمعت الوحوش ليقتص من بعضها لبعض، يقتص للجمّاء من القرناء، وإذا البحار أوقدت بالبراكين والزلازل، فصارت نارا تضطرم، بعد أن فاض بعضها إلى بعض، وصارت شيئا واحدا.
- وإذا قرنت الأرواح بأجسادها حين النشأة الأخرى، وإذا الفتاة المدفونة في حال الحياة، خوف العار أو الحاجة، سئلت عن أي ذنب قتلت، ليكون ذلك تهديدا لقاتلها، فإنه إذا سئل المظلوم، فما ظن الظالم حينئذ؟ وهذا على وجه التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك، وسؤالها لمساءلة الفاعلين.
- وإذا صحف الأعمال عرضت ونشرت للحساب، في موقف الحساب، فكل إنسان يعطى صحيفته بيمينه، فيكون ناجيا، أو بشماله أو من وراء ظهره، فيكون هالكا. وإذا أزيلت السماء، كما يكشط جلد الشاة حين تسلخ. وكشط السماء: هو طيّها كطي السّجل، فلم يبق لها وجود.
وإذا أوقدت النار لأعداء اللّه إيقادا شديدا وأضرمت نارها، وقربت الجنة وأدنيت لأهلها المتقين المؤمنين ليدخلوها.
وجواب (إذا) في جميع ما ذكر في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)} أي تحققت نفس ما أحضرت من شر فدخلت به جهنم، أو من خير فدخلت به الجنة.
ونفس هنا: اسم جنس، أي علمت النفوس. ووقع الإفراد لكلمة (نفس) لينبّه الذّهن على حقارة المرء الواحد، وقلة دفاعه عن نفسه، والآيات من أول السورة إلى هنا شرط، وجوابه: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)}.
هذه أوائل مفاجات البعث، ذكرت بعد مقدماته. وجاء هذا التفصيل، لتفصيل ما أجمل في سورة (ق) عند بيان ما يسبق الحساب، فقال اللّه تعالى في سورة (ق): {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)} [ق: 50/ 20]. وجاء هنا في سورة التكوير: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} إلى قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)}.
وعلى العكس من ذلك أجمل في سورة التكوير ما يحصل في يوم الحساب، حيث اكتفي بسؤال الموءودة، وتسعير جهنم، وتقريب الجنة، وفي سورة (ق) فصّل اللّه كثيرا مما يحدث في الحساب، حيث قال اللّه تعالى: {وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)} [50/ 21]. وما جاء بعدها من الآيات الكريمة الدقيقة الوصف، في تقديم القرين من الملائكة ما أوكل به، وما يحدث من جدل حاد بين المرء وقرينه، من الكفرة الجاحدين، ثم تضمهم جميعا جهنم، وتتطلب المزيد من هؤلاء.
وقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)} إجمال يثير الرعب والقلق والخوف، حيث ينسى الإنسان عادة ما قدم في الدنيا، فيفاجأ بما يجده في صحيفته من تفاصيل الأعمال، ولا أمل في تجاوز المخاطر إلا بأن تطفو الحسنات على السيئات، وبأن تعم الرحمة والفضل الإلهي العباد المقصرين.
إن هذا المشهد من تقلبات الدنيا ومألوفاتها يوم القيامة، يعدّ وحده مثارا للمخاوف، وهو بإيجازه يحتاج إلى مئات الصفحات لرصد الدقائق وما يترتب على التبدلات من إنذارات بالعذاب.
صدق الوحي والنبوة:
تصدى القرآن الكريم للرد المفحم على قول قريش في تكذيبهم بنبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وزعمهم: إنه ساحر وكاهن ونحو ذلك، وتكذيبه يؤدي لتكذيب الوحي الإلهي والقرآن المنزل، على الرغم من إعجاز القرآن وعجز العرب عن محاولة إبطاله أو تفنيده أو محاكاته، مما يدل على أنه كلام اللّه عز وجل، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السّلام، على قلب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فصار هو قوله المنقول عن رب العزة، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، وهنا إبطال من جانب آخر لكلام العرب ومزاعمهم في شأن القرآن من طريق قسم اللّه تعالى بالنجوم والكواكب السيارة، وبالليل، وبالصبح، على أن القرآن هو كلام اللّه الموحى به بوساطة جبريل عليه السّلام، كما يتضح من الآيات الآتية:


{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)} [التكوير: 81/ 15- 29].
لا أقسم، أي أقسم، على عادة العرب في كلامهم أنهم إذا أقسموا على إثبات أمر واضح قالوا: لا أقسم، أي لا يحتاج إلى قسم، وقيل: إن الإتيان ب (لا) في القسم لتعظيم المقسم به.
والمعنى هنا أقسم بالكواكب جميعها التي تخنس، أي تختفي بالنهار تحت ضوء الشمس، وتكنس بالليل، أي تظهر بالليل في أماكنها، كما تظهر الظباء من كنسها، أي بيوتها، والمراد بها: الكواكب السيّارة السبعة: وهي الشمس، والقمر، وزحل وعطارد، والمرّيخ، والزّهرة، والمشتري. وهو رأي الجمهور.
وأقسم بالليل إذا أقبل بظلامه، لما فيه من الرهبة، والصبح إذا أقبل وامتد وظهر وأضاء بنوره الأفق. وجواب القسم هو:
إن هذا القرآن هو تبليغ ونقل رسول كريم عند اللّه، وهو جبريل عليه السّلام، في قول جمهور الناس، ولجبريل صفات أربع: أنه شديد القوى في الحفظ التام والتبليغ الكامل، وذو رفعة عالية، ومكانة سامية عند اللّه سبحانه، ومطاع بين الملائكة، يرجعون إليه ويطيعونه، مؤتمن على الوحي والرسالة من ربه، وعلى غير ذلك.
وقوله: {ثَمَّ} أي عند اللّه تعالى. وقوله: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} متعلق بقوله: {ذِي قُوَّةٍ} أو متعلق بقوله {مَكِينٍ} ومعناه: له مكانة ورفعة. و{مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} معناه: مقبول القول، مصدّق فيما يقوله، مؤتمن على ما يرسل به ويؤديه من وحي وامتثال أمر.
وليس محمد صلّى اللّه عليه وسلّم صاحبكم يا أهل مكة بمجنون، كما تزعمون. وقوله تعالى: {وَما صاحِبُكُمْ} وصف بالصحبة للإشعار بأنهم عالمون بأمره، وبأنه أعقل الناس وأكملهم.
وتالله، لقد رأى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل عليه السّلام على صورته الأصلية، له ست مائة جناح، في مطلع أو أفق الشمس الأعلى من قبل المشرق، بحيث حصل له علم بدهي بأنه ملك مقرّب، يطمأن لنزوله بالوحي عليه، لا شيطان رجيم.
وليس محمد صلّى اللّه عليه وسلّم على ما أنزله اللّه عليه، من الوحي وخبر السماء، ببخيل مقصر في التعليم والتبليغ، ثم نفى اللّه تعالى عن القرآن أن يكون كلام شيطان، حيث ردّ اللّه على ما قالت قريش: إن محمدا كاهن. أي وليس القرآن بقول شيطان يسترق السمع، مبعد مرجوم بالكواكب واللعنة وغير ذلك، لأن القرآن ليس بشعر ولا كهانة، كما قالت قريش.
فأيّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم؟ وأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن، مع ظهوره ووضوحه، وبيان كونه حقا من عند اللّه تعالى؟ فهذا تقرير وتوقيف، على معنى: أين المذهب (مقر الذهاب) لأحد عن هذه الحقائق؟! ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، وتذكير لهم بما ينفعهم، وتحذير لهم مما يضرهم، لمن أراد من البشر أن يستقيم على الحق والإيمان والطاعة، فمن أراد الهداية، فعليه بهذا القرآن، فإنه مناجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه. والذكر هنا: مصدر بمعنى التذكرة. وخصص اللّه تعالى من شاء الاستقامة بالذكر، تشريفا وتنبيها وبيانا لتكسبهم أفعال الاستقامة.
ثم بيّن اللّه تعالى أن تكسّب المرء على العموم، في استقامة وغيرها: إنما يكون مع خلق اللّه تعالى، واختراعه الإيمان في صدر المرء، فقال: { وَما تَشاؤُنَ} أي وما تريدون الاستقامة، ولا تقدرون على ذلك إلا بمشيئة اللّه وتوفيقه، فليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اللّه اهتدى، ومن شاء ضل، بل كل ذلك تابع لمشيئة اللّه تعالى رب الإنس والجن والعالم كله. آمنا بالله وبما يشاء.
روي أنه لما نزل قوله تعالى: {لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)} قال أبو جهل: هذا أمر قد وكل إلينا، فإن شئنا استقمنا، وإن لم نشأ لم نستقم، فنزلت: {وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}.